الاثنين، 1 ديسمبر 2014

64 - رد على مقال [ مغزى الحياة : د : راغب السرجاني ]


64 - رد على مقال [ مغزى الحياة : د : راغب السرجاني ]
رابط الرد :  http://www.syria2011.net/t86238-topic#274186
1 / 12 / 2014
بقلم : أبو ياسر السوري
هذا المقال ، نشره الدكتور المذكور . أعطى فيه مغزى جديدا للحياة ، لا أراه مصيبا فيه .. ولكنه لوى أعناق الوقائع لإثبات فكرته ، التي ليس لها ما يؤيدها .. لا من التاريخ ، ولا من الدين ..
ولولا التحرج من الوقوع في الإثم ، لحاسبنا الكاتب الكريم بلوازم أقواله ، ولحكمنا عليه بما لا يسره أن ينسب إليه .. ولكننا لا نحب أن نثير خصومة بيننا وبينه ، على غير معرفة بيننا .
واسمحوا لي أولاً ، أن أضع لكم رابط مقاله ، لتطلعوا عليه ..
ثم أدعوكم ثانيا ، إلى قراءة الرد عليه ، ردا يشير إلى الغلط دون مغالاة ولا شطط ..
وأرجو أن لا تسأم أخي القارئ من طول المنشور ، فالقضية تستحق الاطلاع .. وأن تضحي من أجلها بيسير من وقتك الثمين ..
رابط المقال : http://vb.tafsir.net/tafsir30029/#.VHx-D2esraU
================
1– زعم كاتب المقال أن فترة إعداد الأمم هي أطول من فترة التمكين مطلقا ... وهذا ادعاء تكذبه الوقائع . فأول أمة في تاريخ البشرية كما أفاد المفسرون ، هي آدم وحواء وأبناؤهما .. ولم يكن لتلك الأمة أية فترة إعداد قط .. بينما كانت فترة تمكينها ممتدة لآلاف السنين ، حيث نزل آدم إلى الأرض مستخلفا فيها ، مسخرا له كل شيء .. يتحرك في الأرض بوحي من الله ، لا منازع له فيها سوى إبليس .. هذه واحدة .
2– ثم ضرب الكاتب مثلا بنوح عليه السلام . فأشار إلى طول فترة إعداده للأمة ، وقصر الفترة التي عاشها بعد التمكين ... ولو أن أمة نوح كانت قد ارتدت عن دينها بعد موت نوح بقليل ، لصح كلام الكاتب .. ولكن تلك الأمة لم تمت بموت نوح ، وإنما استمرت على عهده ، حارسة لعقيدة التوحيد التي ورثتها عنه آلاف السنين .. وهذه الثانية .
3– أما قصة أنبياء العرب البائدة هود وصالح وشعيب ولوط .. فلا يقوم بها دليل على مدعى الكاتب .. فلا أحد يدري كم كانت فترة " الإعداد " .. ولا كمْ كانت فترة "التمكين" . لأن القرآن أورد قصصهم لأخذ العبر منها والعظات . وليس ليشير بها إلى فزلكات فكرية يتلاعب بها زيد أو عمرو من الناس .
4– والخطأ الأكثر فداحة أنه زعم أن فترة الإعداد بالنسبة للأمة المحمدية ، استمرت 21 سنة .. ولم تدم فترة التمكين سوى سنتين ، توفي بعدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
ونسي الكاتب الدكتور .. أن الأمة بقيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم كأقوى قوة على وجه الأرض ، أكثر من ألف عام ، فقد استمر نجمها في صعود طوال فترة الخلافة الراشدة والخلافة الأموية والخلافة العباسية والخلافة العثمانية .. ودانت لها كل أمم الأرض ، فارس والروم والقبط والعرب والبربر والبوذيون والهندوس والمجوس ... ولم تمت الأمة بموت نبيها صلى الله عليه وسلم ، بل بقية ممكنا لها في الأرض عبر عشرة قرون ... وهذه الثالثة ..
5– ويتساءل الكاتب قائلا : .. وأين التمكين في حياة موسى أو عيسى .؟ وأين هو في حياة إبراهيم .؟ وكأني به لا يرى لهم أي فترة تمكين البتة .. وهو خطأ بيِّن . فموسى كما هو معلوم من قصته ، أن فترة إعداده لم تطل سوى أسابيع ، وربما شهور قليلة .. فقد أوحي إليه أثناء عودته من بلاد مدين ... وحين وصل مصر دعا فرعون وقومه إلى الإسلام ، وكان ما كان من قصة السحرة وإيمانهم ، وغضب فرعون ، وتهديده باستئصالهم .. وخروج موسى بقومه فرارا من فرعون وقومه .. ثم أغرق الله فرعون وجنوده ، ومكن لموسى في الأرض .
ثم أمره الله تعالى أن يتوجه ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة ، فلما دنوا منها ، وأرسلوا عيونهم فرأوا فيها الكنعانيين ، وكانوا من العمالقة ، طوال الأجسام ، فرهب أصحاب موسى من محاربتهم . وقالوا لموسى " إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ*" .. فعاقبهم الله بالتيه أربين سنة " قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين* " . وفترة التيه لا تحتسب في فترة الإعداد ، وإنما هي في فترة التمكين ، لأن الله أهلك فرعون ، وأصبحت دعوة موسى بمأمن من القمع .. ثم إن وفاة موسى لا تعني أنه توفي ولم يمكن له في الأرض ، لأن الله وعده بالتمكين من يوم أوحى إلى أمه بإلقائه في اليم ، ووعدها برده إليها ، وجعله من المرسلين ، وتمكينه هو وبني إسرائيل في الأرض وجعلهم أئمة ووارثين . وقد وفى سبحانه لموسى بما وعد فقال تعالى " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ* وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* "
فانظروا يا رعاكم الله ، إلى قوله تعالى " ونمكن لهم في الأرض " .. ثم انظروا إلى قول الكاتب " وأين التمكين في حياة موسى ؟ " وكأنه لا يراه ولا يقرُّ به .. وكأنَّ موسى – حاشاه – قد رحل من الأرض مخذولا غير منصور .. ولازم قول الكاتب يضعه في مشكلة عقدية نحن على يقين أنها لم تخطر له على بال . أضف إليها أن لازم كلامه أيضا يضاد قوله تعالى " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ* " .. وهذه الرابعة ..
وأما عيسى عليه السلام فقد ولد نبيا رسولا ، وعاش 33 سنة ، قضى منها قرابة العشرين عاما في وعظ بني إسرائيل ، وردهم إلى التمسك بأحكام التوراة .. ولما همَّتْ به اليهود ليقتلوه .. أنقذه الله منهم ، وحال دون تمكينهم من قتله وصلبه قال تعالى "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ"  .. وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ " .. وهذه الخامسة ..
وأما إبراهيم عليه السلام : فقد مكن الله له في الأرض قبل موته . وبعد موته .. وجعل النبوة في عقبه . واستمر التمكين لدعوة التوحيد التي نادى بها آلاف السنين .. وهذه السادسة ..
فحركة التاريخ يا دكتور كلها على عكس ما خطه قلمك . سامحك الله ..
6- ولم يكد ينقضي عجبي من صنيع الدكتور ، حين رأيته يأخذ قضية فردية ، تخص شخصا بعينه ، ثم يجعلها مدارا لحكم عام على أمة بكاملها . فهو مثلا يرى أن عمر بن العبد العزيز ، وعماد الدين زنكي ، وقطز ، وألب أرسلان ، وصلاح الدين الأيوبي . وعبد الله بن ياسين . ويوسف بن تاشفين . كلهم ماتوا بعد فترة وجيزة عقب انتصار وتمكين حققوه .. لقد مات هؤلاء بآجالهم ، وبقيت الأمة من بعدهم لم تخرج بموتهم من فترة التمكين .. ولكن صاحبنا يرى أنه حين بلغ هؤلاء الأبطال أوج تمكينهم ، أخذهم الله قبل أن تتلوث عبادتهم بالدنيا ، وقبل أن يصابوا بأمراض التمكين .. وكافأهم بالرحيل من الدنيا قبل الفتنة بزينتها ..
أورد الكاتب أخبار هؤلاء القادة ، واتخذ من موتهم المبكر بعد تمكينهم ، دليلا على قصر فترة التمكين للأمة بأسرها .. مع أن هذه وقائع فردية ، إن صلحت دليلا على قصر فترة التمكين بالنسبة للفرد ، فهي لا تصلح دليلا على مدعاه بالنسبة للأمة ..
ثم كيف يعتبر أن فترة التمكين هي فترة مرضية ، ويزعم أن لو بقي فيها هؤلاء لضلوا وفسدوا .؟؟ فها هو ذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد رحل مبكرا .. فماذا لو طالت حياته أكثر .؟ وهل اختار الله له أن يموت عاجلا رحمة به لئلا يفتن بالدنيا .؟ منطق غريب حقا .!!
وأخيرا وباختصار :
هذا المقال مليء بالأخطاء والأغاليط . حاول الكاتب بها جاهدا أن يروج لفكرة خطيرة ، يدفع الغربُ الصليبيُّ واليهودُ لترويجها ملايين الدولارات .. ألا وهي زعمه : [ أن المغزى الحقيقي لوجودنا في الحياة ليس التمكين في الأرض وقيادة العالم .. بل المغزى الحقيقي لوجودنا هو عبادة الله ] .
وليسمح لنا الكاتب المبجل أن نسأله : " وهل السعي إلى التمكين في الأرض ليس من عبادة الله .؟ وهل يغضب الله عز وجل أن تكون كلمته هي العليا في الأرض .؟
وكأني بالكاتب ومن يرى رأيه يا سادة ، يبشرون بإسلام هين لين ، لا جهاد فيه ولا عناء .. ويوجهون المسلمين لأن يكونوا ذيولا للكفرة والملحدين ، مكتفين في الحياة بالسير في ركاب أعدائهم ، والعيش في ظلهم ، بعيدين عن الأضواء ، لا وزن لهم بين البشر ، فلا يُفتقدون إن غابوا ، ولا يُستأمرون إن حضروا ..
الكاتب ومشاركوه الرأي ، هم ممن يبشرون بدين يكره التمكين في الأرض ، ويرونه مرضاً يستعاذ من فتنته ، وخطرا يتوقى من شره .. ولا يهمهم أن تكون للمسلمين دولة عظمى مستقلة في قراراتها عن الشرق والغرب .. فتلك قضية في نظرهم ليست من الدين ، ولا هي من تعاليم الإسلام ...
الدين عندهم " عبادة الله " التي تدفع المسلمين إلى أن الاستئناس بدوام البلاء ، واستمرار الشقاء ... والاستعاذة بالله من النصر على الأعداء . لأن النصر سبيل إلى التمكين في الأرض .. والتمكين في الأرض في رأيهم يشغل المسلمين عن الله ، ويفتح عليهم أبواب الفتنة بالدنيا ، وعبادة الهوى والشهوات ..
و" عبادة الله " عندهم أن نعيش فقراء ، عجزة ، تاركين عمارة الأرض التي استعمرنا الله فيها لأئمة الكفر والضلال ، من أمثال بوتين وأوباما وبشار الأسد وسفلة البشر ..! وحسبنا نحن ترديد الأذكار والاستغفار ، ومعرفة أحكام الاستنجاء والطهور .. فليت شعري أي منطق هذا .! وكيف باتت تفكر نخبنا الإسلامية اليوم .؟
في اللقاء التاريخي بين ربعي بن عامر ورستم قبيل معركة القادسية :
قال رستم : ما جاء بكم .؟
قال ربعي : إن الله ابتعثنا وجاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ، ورجعنا عنه ، وتركناه وأرضه  يليها دوننا .. ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله ..
قال رستم : وما موعود الله .؟
قال ربعي : الجنة لمن مات على قتال من أبى ، والظفر لمن بقي . " 

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق