17 - مع الإخوةِ
المعترضين على الطَّرحِ الطائفي
31 / 5 / 2012
1 -
أشكرُ الإخوة والأخوات الذين تفضلوا بالردِّ على ما
كتبتُ في مقالي ( نعم
الإسلام يجيز لنا أن نهاجم النصيريين في قراهم ) وأخص بالذكر منهم : الأخت بنت الحرمين ، والأخ محمد
رجب عفارة ، والأخ مؤيد الأحرار ، والأخت سورية حتى النخاع . أشكرهم لأنهم أولوا
مقالي الاهتمامَ اللائق به ، فهو عندي من الأهمية بمكان ، وإن خالفني في الحكم
عليه كلٌّ من الأخوين الكريمين : التلِّي ، وأبو الحمزة ... عفا الله عني وعنهما
..
2 –
كنتُ أخذتُ العهدَ على نفسي ، أنْ لا أعودَ إلى الكتابة
في هذا الموضوع مرة ثانية ، إلا إذا اضطُررتُ إلى الكتابة فيه ... ولكنني بعدَ
اطلاعي على التعليقات المؤيّدة ، والردود المضادَّة ، تبيَّن لي أنَّ مَنْ وافقني
كان أشدَّ حماساً مني لهذا الرأي ، المطروح على صفحة هذا المنتدى الكريم . وأنَّ
مَنْ خالفني أساءَ فهمي ، وظن بي سوءاً ، لدرجة أنه ظن بي السوء ، واستباح شتمي
.. وهو يعلم أن بعض الظن إثم ، وأن شتم المسلم فسوق ، وقتاله كفر ...
3 –
أيها الأحباب ، بارك الله فيكم ، نحن جميعا شركاء في
نضال مقدس ، من أجل استرداد حريتنا السليبة من مغتصبيها ... يعني – بكل بساطة –
نحن نناضل من أجل أن نكون أحراراً ، وليكون من حقنا كأحرار ، أن نقولَ ما نعتقد
أنه حق ، من غير حجر علينا ، ولا مصادرة على آرائنا .. وإذا بنا ونحن في
مَعْمَعَانِ الثورة ، نُمنَعُ من إبداء آرائنا ، ونُهدَّدُ بحذفِ ما نكتبُ ، و
نُعامَلُ بنفسِ الأسلوب الذي كان يعاملنا به النظام البائد ، فنُتَّهَمُ بالعمالة للنظام
، ونُشَبَّهُ بأخسِّ رجلين من عملائه : البوطي وحسون .. وهذا هو أسلوب النظام الذي
نحاربه ، ونثور عليه ، ونضحي بالأموال والأولاد والأرواح للإطاحة به ، والتحرر من
أغلاله ... فإن كان شرطُ النَّشرِ في هذا المنتدى الثوري ، أنْ لا أكونَ حرّاً في
إبداء وجهة نظري ، فالله الغنيُّ عن الكتابة فيه ، لأنني لن أتردد في كتابة ما
أعتقد أنه الصواب ، ولن ألزم أحداً من القراء برأيي ، فهم في قبوله أو رفضه
بالخيار . ولكلٍّ وُجهةٌ هو مُوَلِّيها .
أما أنْ يَشْتُمَ بعضُنا بعضاً ، ويُخوِّنَ أحدُنا أخاه
، لأقل همسة ينبس بها المُخالِفُ ، فهذا شيءٌ لا يرضي ربَّنا ، ولا يَخدُم ثورتنا
.. وينبغي أن نخرج من تلك الدائرة اللعينة ، التي حصَرَنا فيها النظامُ منذ أكثر
من أربعين عاما ، كان فيها لا يبخل على مخالفيه ، بتهم الخيانة والعمالة والتجريم
...
4 – كانت غايتي الرئيسية ، من طرح هذا الموضوع ، أن أبين أن الإسلام
لا يرضى للمسلمين أن يُعطَوا الدَّنِيَّةَ في دينهم باسم الدين ، فاللهُ تعالى
يقول ( ولله العزةُ ولرسولِهِ وللمؤمنين ) .. ولكنني وجدت آراء تقول (لا) للطائفية
باسم الدين ... وهذا خطأ . فقد حارب المسلمون طائفة الزنادقة ، وحاربوا طائفة
المرتدين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وحاربوا طائفة الخوارج .. وكان علي رضي
الله عنه من أشد من حاربهم .
5 – الوضع في سوريا الآن مختلف ،
فالحكم فيها ليس إسلاميا ، وإنما هو مدني ، والتعامل بين أبنائها كان في
الأصل قائماً ، على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات ، وأن لا يعادى مواطنٌ
مواطنا لخلاف بينهما في الدين ، وأن من يدعوا إلى التعامل مع غيره من السوريين على
أساس طائفي ، يُحاسَبُ على ذلك محاسبةً قانونية ... هذا هو الحال في سوريا ، قبل
عهد آل الأسد ... وإقامتهم حكما طائفيا ، دام أربعين سنة ، عانينا منه الأمرَّين
...
6 – إنَّ تَمَسُّكَ النظام بالطائفية ، حمله على تحويل الجيش ، وجهاز
المخابرات بكل فروعه إلى الطائفية ، واختار النظام كل أفراد الفرقة الرابعة والحرس
الجمهوري تقريبا من الطائفة النصيرية ، أو الموالين لها من أراذل الطوائف الأخرى ،
ثم عَمِلَ لهم غسيل دماغ ، فجعل ولاءهم للقائد الطائفي الرمز وليس للوطن .. وطبلت
له الطائفة النصيرية وزمرت ، وعبدته من دون الله ، حتى لم تعد تتصور أن هنالك ربا
إلا حافظ الأسد وأبناءه من بعده ... ومع كل الطائفية التي أخذ بها النظام الأسدي ،
فقد كان يُخوِّنُ كل من تكلم في الطائفية ، ويتهمه بالعمالة لأمريكا وإسرائيل ...
واحتملنا ذلك أربعين سنة .. ثم نفد الصبر ، وتفجر بركان الثورة . فماذا كان بعد
قيام الثورة ..؟؟
7 – الذي كان يا سادة ، أن النظام بدأ يتعامل مع الثورة طائفيا ،
فسرَّح الطيَّارين السُّنَّة ، واستعاض عنهم بطيَّارين من إيران .. وسرح كثيراً من
ضباط السُّنَّة وأجلسهم في بيوتهم ، وعين مكانهم وكلاءهم من طائفته .. وقام
بعمليات فرز خبيثة ، ففرز عناصرَ الجيش بحسب المدينة التي يسكنها العسكري ، فوجه
أبناء حمص لقتل أبناء درعا ، وأبناء درعا لقتل أبناء حمص .. وأبناء حلب لقتل أبناء
دير الزور ، وأبناء دير الزور لقتل أبناء حلب .. وهكذا ...
ثم قام النظام الطائفي بإجراءات عدة للتمويه على
العسكريين ، وتمرير خيانته وطائفيته في محاربة شعبه .. فسحب منهم الهواتف الجوالة
، ومنعهم من مشاهدة التلفزيون ، وأوقف الإجازات لكل العساكر . وكان يقول لهم :
هنالك جماعاتٌ مندسة من اليهود وبعض الخونة من أعداء سوريا ، وقد دخلوا المدن
السورية ، ويجب القضاء عليهم ... أوَلَيْسَتْ هذه خيانةً وطنية تُسجَّلُ على
النظام ، كما تُسجَّلُ على كل من وافقه ووقف معه من الطائفة النصيرية ؟
8 – في هذه الثورة ، لم يتعامل النظام مع الثورة إلا بنفسٍ طائفي ،
ولعب على الورقة القذرة منذ اللحظة الأولى ، وتحالف مع إيران وحزب اللات على
أساسها ... ونحن قلنا (لا) للطائفية منذ اللحظة الأولى . وكان هدفنا من عدم مقابلة
الطائفية بالطائفية ، هو أن نكسب التعاطف الدولي ، وأن لا نعطي للنظام مبرراً
للمبالغة في استخدام القوة معنا ... وها نحن منذ 15 شهراً ، وما زلنا متمسِّكين
بعَدمِ الردِّ على النظام بنَفْسِ أسلوبه ، حتى قُتِلْنَا على الهُويَّة ، ونُحِرَ
أطفالنا ، ودهس شبابنا بالدبابات كما فعل في جبل الزاوية منذ أيام ، ورمى بعض
الناشطين من فوق الدور العشرين كما حدث في حلب ودير الزور ، وهاجم قرانا وأحياءنا
، واقتحم المنازل على نسائنا ، فانتهك
أعراضهن ، ثم قتل أبناءهن أمام أعينهن ، وهم يصرخون أمام ضحاياهم قائلين : هذه ثارات علي والحسين ، سنقتلكم يا
كلاب السُّنَّة حتى لا نبقي واحداً منكم ..
ومع كل هذه الهمجية والوحشية التي عاملنا بها النظام ،
ومع أنه قد تجاوز كل الخطوط الحمراء في قمع الثورة ...فإن المجتمع الدولي لم يقف
معنا حتى الآن ، إلا بتصريحات جوفاء ، لا تقدم ولا تؤخر ..
ومع كل هذا وذاك ، فما زلنا نسمع من يقول : الدين لا
يبيح ضرب القرى النصيرية ، وأنا معهم في هذا لو لم يكونوا محاربين ... ولكنهم
محاربون ، أو بتعبير أدق ، إنهم في حكم المحاربين ، فهم حين يرسلون أبناءهم لقتلنا
، ويشجعونهم على نحر أبنائنا ، وانتهاك أعراضنا ، وحين تزغرد نساؤهم اعتزازا
لشبابهن القَتَلة ، ويقلن لهم : اضربوا الخالدية ... اضربوا الخالدية ... ولهذا
أرى أن هؤلاء محاربون ، ومشاركون في كل الجرائم الواقعة علينا .
ومبدأ العدل في الإسلام ، يبيح معاملة الخصم بالمثل ،
ومقابلة العدوان بالعدوان ، عملا بقوله تعالى ( ومَن اعتدَى عليكمْ فاعتدوا عليهِ
بمثلِ ما اعتدى عليكمْ ) ...
وكما يُقتَلُ أطفالُنا ونساؤنا بالقصف العشوائي ،
وتُهدم عليهم البيوت ، فكذلك يجوز أن يقتلوا هم بنفس الطريقة .. وهذا ما أراه
وأقول به ، وإن خالفني الآخرون بغير دليل .. مع الأخذ بعين الاعتبار ، أن نكون
قادرين على ذلك .. أما إذا كنا عاجزين عن مثل هذا الرد .
أما إذا كان هذا الردُّ سيكلفنا خسائر أكبر مما نحن فيه
، وبدون فائدة . فأنا أنهى عنه ، ولا أنصح به ... لا لأن الإسلام يُحرِّمُ مهاجمة
قراهم ، فقد علمنا أنه لا يُحرِّمُه ، وإنما أنهى في حال العجز عن ذلك ، عملا
بقاعدة شرعية تقول : لا يُدْفَعُ الضَّررُ بضررٍ أكبرَ منه . ولا تُزال مفسدةٌ لا
يمكنُ إزالتها إلا بمفسدة أشدَّ منها .
9 – وأخيراً ، أقول للأخت " سورية حتى النخاع " التي أقدرها
وأحترم رأيها : من كان معنا من الطائفة فليعتزل قراهم ، وليسكنوا في مدن الساحل ،
فنحن لم نَدْعُ لمداهمة أهل المدن
الساحلية ، ولا بأس أن يشاطرنا المسالمون من أبناء هذه الطائفة بعض المعاناة ، فقد
شرد منا أكثر من مليوني سني .. وأرجو من الأخت الكريمة أن تطمئنَّ إلى أنني حين
أفتي في قضية شرعية ما ، فلست متطفلا على موائد العلم ، وإنما أنا من أهل الدار
... وشكرا .