الخميس، 23 أبريل 2015

196 - كلمة حق لا بد منها وإن أغضبت الكثير

196 - كلمة حق لا بد منها وإن أغضبت الكثير :
23 / 4 / 2015
بقلم : أبو ياسر السوري
=============
هنالك نغمة إقصائية تدميرية ، بكر إلى العزف عليها كثيرٌ من السوريين في الداخل .. ولعل أول من بدأ بالعزف عليها أولئك الذين خططوا لأن يكونوا أمراء حرب في سوريا بعدما أخذوا على عاتقهم الإطاحة بالجيش الحر . ليتسنى لكل منهم أن يشكل فصيلا حوله باسم الجهاد في سبيل الله ، فكان ذلك أول شق للصف ، لم يجن السوريون من ورائه سوى الفشل الذريع . وتحمل المزيد من الضحايا والمجازر ، فقد بات بسبب هذا المنطق بأس كتائبنا المقاتلة بينها ، حتى نشبت بينها معارك طاحنة ، كان من ضحاياها شباب كنا نعدهم للتحرير ، فأبى أمراء الحرب منا إلا أن يجعلوا منهم وقودا للتدمير .
وكان الشعار التدميري الذي رفعه المقاتلون آنذاك " الكلمة للمرابطين في الخنادق ، ولست لنزلاء الفنادق " . ثم ظهرت فكرة شق المعارضة شطرين ، فصار لدينا " معارضة الداخل " ومعارضة الخارج " وكان الذين في الخارج ينظرون إلى الثوار في الداخل نظرة دونية ، ويقللون من شأنهم ، ويتحدثون بلهجة التعالي والفوقية ، مما دعا معارضة الداخل إلى الرد على ذلك باحتقار من في الخارج من المعارضين ، والتشكيك في نزاهتهم ووطنيتهم ..
وما إن تشكل المجلس الوطني حتى هاجمناه ، وأسقطنا اعتباره .. فخلفه الائتلاف الوطني فحاربناه أيضا ومحوناه .. وقامت لجان الإغاثة لتأمين الغذاء والدواء والإيواء ، فاتهمناها وشككنا في أمانتها .. وقامت المجالس والتشكيلات العسكرية ، فأججنا النار فيما بينها .. مما أدى إلى إضعاف الجيش الحر ، ومكن لداعش في القضاء عليه ..
وليس هذا وحسب ، بل إن الكتائب المقاتلة نسيت عداءها للنظام ، وصرفت وجهها عن قتاله ، وكأنها صالحته ، وتفرغت للقتال فيما بينها .. وكان طبيعيا أن تنهار هذه الكتائب أمام هجمات النظام عليها من جهة ، وهجمات داعش ضدها من جهة ثانية.. وشيئا فشيئا أضاع الثوار جل مكاسبهم على الأرض ، واستطاعت داعش أن تنتزع منهم أغلب الأراضي التي كانوا حرروها قبل مجيء داعش ، ولو أن الكتائب المقاتلة التفت يومها حول الجيش الحر ، لقطعت الطريق على داعش وأخواتها ، واحتفظتْ بمكتسباتها ، بدءا من المواقع الاستراتيجية ومرورا بآبار النفط والغاز والمعابر الحدودية ، وانتهاء بمخازن الأسلحة التي وضعت داعش يدها عليها في غفلة من انشغال هذه الكتائب بخلافاتها البينية ..  
واليوم يا سادة - تتعالى الصيحات من هنا وهناك : قائلة " وطن ﻻ تحميه وﻻ تبنيه لا يحق لك العيش فيه " و" من خرج من البلد فليس له الحق في التحدث بشؤون البلد " ...
يا سبحان الله .!! أبهذه البساطة يُحرَّجُ على كل من خرج من البلد ويمنع أن يتكلم بشؤون البلد .؟ ومؤدى هذا القول أن يتسلم مقاليد الأمور حملة السلاح وحدهم ، حتى إذا سقط النظام ، وقف حملة السلاح بالمرصاد لكل من خرج من سوريا ، ومنعوه من العودة إليها .. أيُّ منطق هذا بالله عليكم .؟ بل أي فرق بين هذا المنطق ومنطق بشار الأسد ، الذي يعتبر كل من ليس معه فهو ضده ، ويرميه براجمات الصواريخ ، وببراميل الموت ، وبصواريخ سكود المحملة بالرؤوس الكيمياوية .؟
أيها الناس ، ما كل من خرج من البلد خرج باختياره ، وإنما خرج منهم من خرج ، إما خوفا على حياته ، أو خوفا على عرضه .. أو أنه كان رمزا من رموز المعارضة ، الذين رفعوا شعلة الثورة ، في الوقت الذي جبن فيه غيرهم ممن التزم الصمت كالأموات ، فلوحقت هذه الرموز الثورية ، فاضطرت إلى الخروج ، ولو لم يخرجوا فلن يكون لهم مصير سوى القتل تحت التعذيب .. بل إن هنالك شبابا خرجوا هربا من التجنيد الإجباري والاحتياطي ، لئلا يشاركوا في قتل أهلهم وإخوانهم ، ولو لم يخرجوا لكانوا بين خيارين أحلاهم مر ، فإما أن يشاركوا النظام في قتل الشعب ، وإما أن يقتلوا هم على أيدي الشبيحة ..
ثم إن هنالك من خرج منذ أحداث الثمانينات ولم يعد ، وقضى زهرة شبابه في شقاء الغربة ومعاناتها .. ولم يكن لهم ذنب سوى أنهم قالوا ( لا ) لهذا النظام المجرم منذ عشرات السنين . قالوا (لا) قبل أن يولد الذين يحملون السلاح اليوم في مواجهة النظام .. وهناك رموز فكرية ، وقامات سياسية ، اضطروا إلى الخروج اضطرارا .. وهنالك ضباط انشقوا عن جيش الأسد ، وخاطروا بحياتهم ، وضحوا برتبهم ومراكزهم ، والتحقوا بالثورة ، ثم اضطروا إلى مغادرة البلد أخيرا ...
فبأي منطق ندعو لاحتقار كل هؤلاء وإسكاتهم ونقول لهم : " أطبقوا أفواهكم ولا تنبثوا ببنت شفة ، لأنكم خارج البلد ، ومن كان خارج البلد فليس له الحق بالكلام بشؤون البلد .؟
إن من هم خارج سوريا اليوم ، هم صفوة المفكرين والعلماء والشرفاء ممن استهدفهم النظام المجرم ، وأجبرهم على مغادرة البلد قديما وحديثا .. وتلك سنة الظلمة مع الأخيار في كل زمان ومكان . فما من نبي إلا كذب وعودي وأوذي وأخرج .. وليس من العدل ولا من المنطق السليم أن نتحدث بهذا الأسلوب الٌإقصائي البغيض ، مع كل من خرج من البلد من خيرة ابنائه ..
أيها السادة : يكتب بعض الإخوة في هذه القضية ، فيتهم كل من في الخارج بأنهم فارون من الزحف ، متخلون عن الكرامة ، انتهازيون ، متسلقون .. حتى العاملون منهم في مؤسسات الثورة ، هم في نظره عبارة عن متكسبين وجماعين للمال .. وقد يصدق كلامه على أفراد دون أفراد . ومن الظلم الصارخ التعميم ، والله لا يحب الظالمين ..
ولنفترض أن النظام سقط غدا ، فقولوا بربكم من يحكمنا .؟ أنسلم الحكم لحملة السلاح .؟ وهل كل من حمل السلاح يصلح لأن يسوس الناس السياسة التي تأخذ بأيديهم إلى بر السلام والعدل والمساواة .؟
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم : ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
تبقى الأمور بأهل الرّأي ما صلحت : فإن  تولّـت  فبالأشرار تـنقاد
ألا فليعلم القاصي والداني أن سوريا لكل السوريين ، ومن حمل السلاح لينصب نفسه وصيا على بقية السوريين  فليس منهم . وأخشى أن يكون جهاده غير مقبول عند الله ، لأنه قاتل للمنصب وللدنيا ، ولم يخلص جهاده لله وحده .
وختاما يا حضرات ، إن هذا المنطق أعرج .. وليس من الحكمة التحدث به .. فهو منطق إقصائي .. تدميري .. لا يأتي بخير .. وإنما يأتي بالشرور وعظائم الأمور ، لأنه يبذر بذور الفرقة والشقاق بين أبناء البلد الواحد ، وقد يكون سببا في بقاء النظام لعقود قادمة وليس لسنوات .. فالوطن لك ولي وللآخر .. وهو للمجاهد والقاعد معا ، ولا يحق للمجاهد أن يطرد القاعد من الوطن أو يحرمه من حقوقه بسبب قعوده .. فخالق الخلق سبحانه وتعالى لم يقل ذلك ، وإنما قال تعالى ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) . ففضل الله المجاهد على القاعد درجة فقط ، ووعد كلا منهما الحسنى . هكذا حل هذه القضية التي كثر فيها اللغط ، بعيدا عن تعاليم السماء .. اللهم ألهمنا رشدنا . واجمع على الحق كلمتنا .. يا أرحم الراحمين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق