الأربعاء، 4 فبراير 2015

140 - حكم قتل الأسير حرقا بالنار

 140 - حكم قتل الأسير حرقا بالنار

بسم الله الرحمن الرحيم .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وبعد :

=======

بعد إقدام داعش على إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا بالنار حتى الموت .. وتصوير واقعة الحرق ، وعرضها على مشهد من العالم ، عبر القنوات الفضائية . بعد هذه الفعلة المنكرة ، ثار جدل واسع حولها ، خصوصا وأن داعش تدعي أنها لم تزد على تنفيذ تعاليم الإسلام في مثل هذا الأسير وأشباهه من القتلة المفسدين في الأرض .
وبعيدا عن تقييم الموقف بالنسبة للطيار وداعش . لأن كلا منهما يرى أنه كان على الحق فيما قام به : ( فالطيار) يرى أنه كان ينفذ أمر ملكيا لا يملك الامتناع عن تنفيذه ، فهو مكره على قيامه بقصف تلك الأهداف ، ولا يستحق القتل أصلا ، ناهيك عن الحرق بالنار ..
( والدواعش ) يرون أن هذا الطيار قاتل مجرم ، كان يرمي بحمم الموت فوق رؤوس الأبرياء ، وقد وقع أسيرا في أيديهم ، فصار لهم الخيار فيه بين إحدى ثلاث : إما أن يقتلوه ، وإما أن يمنوا عليه فيطلقوا سراحه بدون مقابل ، وإما أن يفادوا به ... وقد اختاروا قتله فقتلوه .. وليس لأحد أن يوجه إليهم ملامة بسبب ذلك .. 
والحقيقة ، لو أن الدواعش قاموا بقتل الطيار الأسير بغير الحرق بالنار حياً ، لما ثار هذا الجدل الكبير حول الموضوع . فالحرب هي الحرب ، يكون فيها الاستشهاد ، ويكون فيها الأسر الذي قد ينتهي بالموت أيضا ، ويكون فيها الإصابات المؤلمة التي تذهب ببعض الأعضاء وتسبب للمحارب عاهة تستمر معه إلى أن يفارق الحياة .
وشيء آخر يضع الدواعش في دائرة الملامة ، وهو كونهم صوروا عملية الحرق ، وبثوا فيديو تظهر من خلاله واقعة الحرق بكل تفاصيلها ، مما تسبب بكثير من الآلام النفسية لوالدي الطيار وأهله وذويه ، ممن لا ذنب لهم ولا جريرة ..
وهنالك أمر ثالث ، تطالب به داعش ، وهي تدعي أنها دولة إسلامية ، ولكنها تتصرف مع البشر بمنتهى الوحشية والهمجية .. خلافا لتعاليم الإسلام .. وخلافا لكثير من النصوص ، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم  فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته " . وعن عمرو الأسلمي أن رسول الله أمره على سرية قال فخرجت فيها وقال إن وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت إليه فقال إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار" وسبب ورود هذا الحديث الشريف " أن أبا العاص بن الربيع صهر النبي ، زوج ابنته زينب رضي الله عنها ، لما أسره الصحابة ثم أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، شرط عليه أن يجهز إليه زينب . فجهزها . فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها ، فسقطت ، ومرضت من ذلك .. فبعث رسول الله سرية فقال لهم : إن وجدتم هباراً فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار .. ثم تراجع صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إني لأستحيى من الله .. لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله " .
وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يعذب بالنار إلا الله " هو خبر بمعنى النهي . ووقع في رواية ابن لهيعة " وإنه لا ينبغي " وفي رواية ابن إسحاق .. " كنت أمرتكم أن تحرقوه ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله " .
ومن هنا رأى بعض أهل العلم أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار ، ليس على معنى التحريم . وإنما هو على سبيل التواضع منه صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل . واستدلوا على أنه ليس بحرام بهذا التأويل ، وبواقعة خبر العرنيين ، الذين سمل النبي أعينهم بالنار وقتلهم ..
واستدل المانعون من التحريق بأن قصة العرنيين كانت قصاصا ، لأنه ثبت أنهم سملوا  أعين رعاة إبل الصدقة واستاقوها ومضوا بها .. فلما ظفر بهم رسول الله سمل أعينهم قصاصا .. وقال أبو بكر بن العربي : بل إن حديث العرنيين منسوخ بحديث " لا يعذب بالنار إلا رب النار " .
وعليه فالمسألة خلافية بين مجيز ومانع .. ولكل دليله فيما ذهب إليه . والأحوط  في الخلافيات ، الأخذ بالأبرأ للذمة والأقرب إلى روح الشريعة .. وهو هنا " ترك التعذيب بالنار " وترك القتل بها " خصوصا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالحرق ثم تراجع .. وسواء أكان تراجعه عن وحي أو اجتهاد ، فالأمر سيان . " ولا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار "
وإذا احتج المجيزون بقوله تعالى " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " فالجواب أن المماثلة في العقوبة هنا ، مقيدة بحديث النهي عن التعذيب بالنار ، وليست مطلقة .. والسنة تقيد النص المطلق . وتخصص العام . كما ذهب إليه الأصوليون ..
ولنا أن نحتج على المجيزين أيضاً ، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع عن قتل المنافقين ، وعلل امتناعه صلى الله عليه وسلم عن قتلهم بقوله " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " فلما كان قتل المنافقين ذريعة لقالة السوء عنه صلى الله عليه وسلم ، امتنع عنه سدا للذريعة .   
وبناء عليه ، نقول في واقعة قتل الطيار الأردني الأسير حرقا بالنار : إن اختيار حرقه بالنار ، لمما يفتح بابا واسعا لنقد الإسلام ، وتصويره للبشرية بأنه دين همجي وحشي لا يمت إلى الإنسانية بأية صلة ..
أضف إلى ذلك أمرا آخر ، هو في غاية الأهمية .. ألا وهو : أنه لم يثبت يقينا أن هذا الطيار قد أحرق الناس بالنابالم ، لنعاقبه بالحرق في النار .. فكيف جاز الحكم بحرقه ، في جرم لم يثبت عليه .؟؟
أنا يا سيدي لا أميل إلى حرق أحد .. فالتعذيب بالنار أشبه بكونه من خصوصيات الله عز وجل .. كالعزة .. والكبرياء .. ولذلك تراجع النبي عن الأمر بالحرق قبل العمل به ..هذا والله أعلم .
وكتبه : أبو ياسر السوري

فإن كان صوابا فمن الله . وإن كان خطأ فمنه ومن الشيطان . والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق